أبعاد التنمية المستدامة
أولا: مؤشرات الاستهلاك المفرط لموارد العالم
1 – تزايد عدد سكان العالم
يعرف تزايد السكان عبر العالم وثيرة مذهلة :
– في سنة 1950 كان عدد سكان العالم يصل إلى حوالي 2 مليار و500 مليون نسمة؛
– في سنة 2000 بلغ عدد سكان العالم حوالي 6 مليار و261 مليون نسمة؛
– ومن المتوقع أن يتزايد هذا العدد سنة 2100 رغم مختلف القيود التي يمكن وضعها إلى حوالي 11 مليار نسمة.
2 – تراجع إنتاج المواد الغذائية
– ورغم تزايد وتيرة إنتاج المواد الغذائية لتلبية حاجيات هذا التزايد المذهل للسكان إلا أن الضغوط السكانية وتدهور البيئة تضعف من أوضاع الزراعة واحتمالاتها في المستقبل.
– كما أن الإنتاج الزراعي وإن تحسن في بعض المناطق خاصة في البلدان المتقدمة إلا أن مناطق أخرى ستبقى تعيش تدهورا حقيقيا في هذا المجال، ففي إفريقيا مثلا لا يتمكن المزارعون فيها من ملاحقة الزيادة السريعة في السكان، كما تعاني إفريقيا من انتشار الفقر المطلق ومن ضعف القوة الشرائية لحصول سكانها على التغذية اللازمة، بالإضافة إلى معاناتها المستمرة من الحروب التي تعوق إنتاجها الغذائي وتوزيعه.
3 – مظاهر تدهور الكوكب الأرضي1 – تزايد عدد سكان العالم
يعرف تزايد السكان عبر العالم وثيرة مذهلة :
– في سنة 1950 كان عدد سكان العالم يصل إلى حوالي 2 مليار و500 مليون نسمة؛
– في سنة 2000 بلغ عدد سكان العالم حوالي 6 مليار و261 مليون نسمة؛
– ومن المتوقع أن يتزايد هذا العدد سنة 2100 رغم مختلف القيود التي يمكن وضعها إلى حوالي 11 مليار نسمة.
2 – تراجع إنتاج المواد الغذائية
– ورغم تزايد وتيرة إنتاج المواد الغذائية لتلبية حاجيات هذا التزايد المذهل للسكان إلا أن الضغوط السكانية وتدهور البيئة تضعف من أوضاع الزراعة واحتمالاتها في المستقبل.
– كما أن الإنتاج الزراعي وإن تحسن في بعض المناطق خاصة في البلدان المتقدمة إلا أن مناطق أخرى ستبقى تعيش تدهورا حقيقيا في هذا المجال، ففي إفريقيا مثلا لا يتمكن المزارعون فيها من ملاحقة الزيادة السريعة في السكان، كما تعاني إفريقيا من انتشار الفقر المطلق ومن ضعف القوة الشرائية لحصول سكانها على التغذية اللازمة، بالإضافة إلى معاناتها المستمرة من الحروب التي تعوق إنتاجها الغذائي وتوزيعه.
ولا تعاني الإنسانية فقط من التناقص الحاد في المواد الغذائية بل تعاني أيضا من مخاطر متنوعة أخرى تتهددها:
– فقد حدثت ضغوط شديدة على موارد التربة العالمية والغابات المدارية منذ 150 سنة أي منذ انتشار نمط الإنتاج الرأسمالي وما رافق ذلك من مد استعماري واستغلال فاحش لأراضي وغابات المستعمرات شمل مختلف القارات. ومعلوم أن من نتائج هذا الغزو الاستعماري حرمان سكان المستعمرات من التنوع البيولوجي الذي كانت تحتوي عليها زراعاتهم المحلية لفائدة زراعات موجهة نحو التصدير التي لا تلبي احتياجاتهم الفيزيولوجية. فخلال النصف الثاني من القرن العشرين تدهور ما يقرب من 11 % من الأراضي المكسوة بغطاء نباتي عبر العالم إلى حد أتلف وظائفها البيولوجية الأصلية، وقد أصبح إصلاح هذه الأراضي باهض التكلفة أو ربما مستحيلا في بعض الحالات؛
ومعلوم أن تدمير المناطق الخضراء خلال القرنين الماضيين تسبب في مخاطر جمة أصابت تنوع الكائنات الحية والمجتمعات الإيكولوجية التي تعيش فيها بشكل لم تتعرض له في أي وقت مضي خلال الخمسة والستين مليون عام المنصرمة على وجود الكوكب.
– كما تعرضت المياه العذبة للتناقص بشكل مستمر ومتزايد نتيجة تزايد المسحوبات من المياه من اجل الزراعة ومن أجل إرواء عطش الأعداد المتزايدة من سكان الكوكب، إضافة إلى أن تزايد السكان والتنمية الصناعية يزيدان من تلوث المياه ونذرتها؛
– ويشكل نمط الإنتاج الصناعي المعتمد من طرف البلدان الصناعية الرأسمالية منذ قرنين من الزمان أحد العوامل الرئيسية المهددة للبيئة. ونلاحظ في هذا الإطار أن دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ال OCDE تستأثر بقدر هائل من الطلب على الموارد الطبيعية للكرة الأرضية:
• • فمثلا يصل استهلاكها من الطاقات الحرارية إلى 43 % من مجموع الاستهلاك العالمي من الطاقة.
• • كما تساهم هذه الدول بنصيب كبير جدا في عبء التلوث العالمي، حيث أطلقت سنة 1989 ما يقرب من 40 % من الانبعاثات العالمية من أكاسيد الكبريت و45 % من انبعاث أكاسيد النتروجين، وهي المصادر الرئيسية لتهاطل الأحماض.
• • كما أنتجت هذه البلدان 6,8 % من النفايات الصناعية في العالم إذا قيست بالوزن
• • وتسببت في 38 % من التأثير المحتمل على الغلاف الجوي للاحتباس الحراري العالمي الناتج عن انبعاث الغازات. رغم أن عدد سكان هذه البلدان الذي يصل إلى حوالي مليار و264 مليون نسمة لا يمثل سوى 20 % من عدد سكان العالم.
وقد أعلنت منظمة السلام الأخضر خلال شهر أكتوبر الماضي إلى أنه بحلول عام 2080 فإن مانهاتن وشنغاي ستختفيان تحت سطح الماء. وسيحدث ذلك نتيجة ارتفاع درجة حرارة الأرض وذوبان الغطاء الجليدي لغرينلاند في القطب الشمالي مما سيتسبب بدوره في ارتفاع منسوب مياه البحر يصل إلى أكثر من خمسة أمتار وبالتالي إلى إغراق المناطق الساحلية، هذا إلى جانب أن الجفاف والفيضانات سيصبحان أشد ضراوة، بحيث سيواجه مئات الملايين من الأشخاص خطر المرض والجوع والنقص الحاد في المياه.
السؤال الحاسم هنا هو هل يمكن للإنسان أن يستمر في تجاهله للتدمير الذاتي الذي يباشره منذ قرنين من الزمن عبر اعتماد أنماط اقتصادية متوحشة تدمر الإنسان والحيوان والنبات والمياه والبيئة بكل أبعادها؟
ثانيا: بداية التفكير في انقاد الكوكب من الفناء المحقق
1 – الاعتراف بالمشاكل البيئية التي تواجه الكوكب
إن العالم لا يبدوا أنه يتجه صوب مستقبل مستدام، وإنما في اتجاه مجموعة متنوعة من الكوارث البشرية والبيئية المحتملة. لكن منذ مؤتمر ستوكهولم المتعلق بالبيئة البشرية الذي انعقد في بداية عقد السبعينات ، بدأ العالم يعترف بأن مشكلات البيئة لا تنفصل عن مشكلات الرفاه البشري ولا عن عملية التنمية الاقتصادية بصورة عامة، وأن كثيرا من الأشكال الحالية للتنمية تنحصر في الموارد البيئية التي يعتمد عليها معاش البشر ورفاهم في آخر المطاف. وبهذا الاعتراف أنشأت الأمم المتحدة اللجنة العالمية المكلفة بالبيئة والتنمية لدراسة هذه القضايا والتقدم بتوصيات في هذا الشأن.
2 – تعريف اللجنة العالمية للتنمية المستدامة
وقد انتهت اللجنة في تقريرها المعنون “بمستقبلنا المشترك” إلى “أن هناك حاجة إلى طريق جديد للتنمية، طريق يستديم التقدم البشري لا في مجرد أماكن قليلة أو لبضع سنين قليلة، بل للكرة الأرضية بأسرها وصولا إلى المستقبل البعيد”. والتنمية المستدامة حسب تعريف وضعته هذه اللجنة سنة 1987 تعمل على “تلبية احتياجات الحاضر دون أن تؤدي إلى تدمير قدرة الأجيال المقبلة على تلبية احتياجاتها الخاصة”.
3 – القبول بفكرة التنمية المستدامة
وقد قبلت فكرة التنمية المستدامة بأوسع معانيها وتم إقرارها على صعيد واسع، إلا أنه تبين أن ترجمة هذه الفكرة إلى أهداف وبرامج وسياسات عملية، يعتبر مهمة أصعب، نظرا لأن الأمم المتحدة تخضع لقوى رأسمالية لا ترى من مصلحتها التنازل عن نمط إنتاجها المدمر للبيئة. ورغم ذلك يعتبر مؤتمر الأمم المتحدة المتعلق بالبيئة والتنمية جهدا ذو أهمية كبيرة في اتجاه الاهتداء إلى أرضية مشتركة بين المصالح المتعارضة والشروع في عملية التغيير التي تحتاج إليها التنمية المستدامة.
4 – مؤتمر ريو لسنة 1992
وقد انعقد في هذا الإطار في يونيو 1992 في ريو ذي جنيرو بالبرازيل أول مؤتمر عالمي حول البيئة والتنمية أطلق عليه تسمية “قمة الأرض”. وقد حضرته 168 دولة بينما ارتكزت أهم محاوره على التغيرات المناخية للكوكب والتنوع البيولوجي وحماية الغابات. وقد اعتمد المؤتمر جدول أعمال بشأن حماية البيئة، كما تم توصيف العواقب السياسية والاقتصادية المترتبة عن الاستمرار في تدمير البيئة. لكن رغم الهالة الإعلامية الكبيرة التي أعطيت لهذا المؤتمر إلا أن النتائج المحسوسة القاضية بحماية الطبيعة ومعالجة المشاكل المتعددة المترتبة عن تدهور البيئة كانت خجولة جدا.
5 – فشل قمة جوهانسبورغ لسنة 2002
بل أنه بعد انصرام عشر سنوات على هذا المؤتمر هاهو مؤتمر جوهانسبورغ ينعقد في جنوب إفريقيا خلال شهر سبتمبر 2002 حول نفس الانشغالات وينتهي إلى الفشل في حمل الدول المتقدمة على تنفيذ الوعود المتفق عليها خلال قمة الأرض سنة 1992.
ثالثا: مفهوم التنمية المستدامة:
1 – التعريف المادي للتنمية المستدامة
رغبة من بعض المؤلفين في جعل مفهوم التنمية المستدامة أقرب إلى التحديد، وضعوا تعريفا ضيقا لها ينصب على الجوانب المادية للتنمية المستدامة. ويؤكد هؤلاء المؤلفين على ضرورة استخدام الموارد الطبيعية المتجددة بطريقة لا تؤدي إلى فنائها أو تدهورها، أو تؤدي إلى تناقص جدواها “المتجددة” بالنسبة للأجيال المقبلة. وذلك مع المحافظة على رصيد ثابت بطريقة فعالة أو غير متناقص من الموارد الطبيعية مثل التربة والمياه الجوفية والكتلة البيولوجية.
2 – التعريفات الاقتصادية
وتركز بعض التعريفات الاقتصادية للتنمية المستدامة على الإدارة المثلى للموارد الطبيعية، وذلك بالتركيز على “الحصول على الحد الأقصى من منافع التنمية الاقتصادية، بشرط المحافظة على خدمات الموارد الطبيعية ونوعيتها”.
كما انصبت تعريفات اقتصادية أخرى على الفكرة العريضة القائلة بأن “استخدام الموارد اليوم ينبغي ألا يقلل من الدخل الحقيقي في المستقبل”. وتقف وراء هذا المفهوم “الفكرة القائلة بأن القرارات الحالية ينبغي ألا تضر بإمكانيات المحافظة على مستويات المعيشة في المستقبل أو تحسينها.. وهو ما يعني أن نظمنا الاقتصادية ينبغي أن تدار بحيث نعيش على أرباح مواردنا ونحتفظ بقاعدة الأصول المادية ونحسنها”.
3 – الخلط بين النمو الاقتصادي والتنمية
لكن هذه التعريفات الإقتصادية تخلط بين التنمية الاقتصادية Le developpement والنمو الاقتصادي La croissance ؛ حيث يتم النظر إلى النمو الاقتصادي على أنه ضروري للقضاء على الفقر وتوليد الموارد اللازمة للتنمية وبالتالي للحيلولة دون مزيد من التدهور في البيئة. لكن القضية هي قضية نوعية النمو وكيفية توزيع منافعه وليس مجرد عملية توسع اقتصادي لا تستفيد منه سوى أقلية من الملاكين الرأسماليين. فالتنمية يجب أن تتضمن تنمية بشرية وبيئية شاملة والعمل على محاربة الفقر عبر إعادة توزيع الثروة.
كما أن التنمية الاقتصادية وإن كانت تراعي المعايير البيئية للموارد الطبيعية أو تعمل على التقليص من إنتاج النفايات، فإنها لا تكون كافية للحيلولة دون انهيار البيئة في الأجل الطويل. فالقيود التي تكبل السلوك البشري تسري أيضا: على كرة أرضية محدودة لا يمكن أن ينمو سكانها بلا نهاية.
4 – مكانة الإنسان ضمن التعاريف المقدمة بشأن التنمية المستدامة
ويشكل الإنسان محور التعاريف المقدمة بشأن التنمية المستدامة حيث تتضمن تنمية بشرية تؤدي إلى تحسين مستوى الرعاية الصحية والتعليم والرفاه الاجتماعي. وهناك اعتراف اليوم بهذه التنمية البشرية على اعتبار أنها حاسمة بالنسبة للتنمية الاقتصادية وبالنسبة للتثبيت المبكر للسكان. وحسب تعبير تقرير التنمية البشرية الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي فإن “الرجال والنساء والأطفال ينبغي أن يكونوا محور الاهتمام – فيتم نسج التنمية حول الناس وليس الناس حول التنمية”. وتؤكد تعريفات التنمية المستدامة بصورة متزايدة على أن التنمية ينبغي أن تكون بالمشاركة، بحيث يشارك الناس ديمقراطيا في صنع القرارات التي تؤثر في حياتهم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وبيئيا.
5 – مكانة التكنولوجيا في تعريف التنمية المستدامة
كما أفاض بعض المؤلفين في توسيع تعريف التنمية المستدامة لتشمل تحقيق التحول السريع في القاعدة التكنولوجية للحضارة الصناعية، وأشاروا إلى أن هناك حاجة إلى تكنولوجيا جديدة تكون أنظف وأكفأ وأقدر على إنقاذ الموارد الطبيعية، حتى يتسنى الحد من التلوث، والمساعدة على تحقيق استقرار المناخ، واستيعاب النمو في عدد السكان وفي النشاط الاقتصادي.
6 – مكانة الإنصاف في تعريف التنمية المستدامة
والعنصر الهام الذي تشير إليه مختلف تعريفات التنمية المستدامة هو عنصر الإنصاف أو العدالة. فهناك نوعان من الإنصاف هما إنصاف الأجيال البشرية التي لم تولد بعد، وهي التي لا تؤخذ مصالحها في الاعتبار عند وضع التحليلات الاقتصادية و لا تراعي قوى السوق المتوحشة هذه المصالح. أما الإنصاف الثاني فيتعلق بمن يعيشون اليوم والذين لا يجدون فرصا متساوية للحصول على الموارد الطبيعية أو على “الخيرات” الاجتماعية والاقتصادية. فالعالم يعيش منذ أواسط عقد السبعينات تحت هيمنة مطلقة للرأسمال المالي العالمي الذي بكرس تفاوتا صارخا بين دول الجنوب ودول الشمال كما يكرس هذا التفاوت داخل نفس الدول. لذلك فإن التنمية المستدامة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار هذين النوعين من الإنصاف. لكن تحقق هذين النوعين من الانصاف لن يتأتى في ظل الهيمنة المطلقة للرأسمال المالي العالمي، وإنما يتحقق تحت ضغط قوى شعبية عمالية أممية يمكن من استعادة التوازن للعلاقات الاجتماعية الكونية.
7 – أبعاد التنمية المستدامة
والملاحظ من خلال التعريفات السابقة أن التنمية المستدامة تتضمن أبعادا متعددة تتداخل فيما بينها من شأن التركيز على معالجتها إحراز تقدم ملموس في تحقيق التنمية المستهدفة، ويمكن الإشارة هنا إلى أربعة أبعاد حاسمة ومتفاعلة هي كل من الأبعاد الاقتصادية والبشرية والبيئية والتكنولوجية:
الأبعاد الاقتصادية
1 – حصة الاستهلاك الفردي من الموارد الطبيعية
فبالنسبة للأبعاد الإقتصادية للتنمية المستدامة نلاحظ أن سكان البلدان الصناعية يستغلون قياسا على مستوى نصيب الفرد من الموارد الطبيعية في العالم، أضعاف ما يستخدمه سكان البلدان النامية. ومن ذلك مثلا أن استهلاك الطاقة الناجمة عن النفط والغاز والفحم هو في الولايات المتحدة أعلى منه في الهند ب 33 مرة، وهو في بلدان منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية ال “OCDE” أعلى بعشر مرات في المتوسط منه في البلدان النامية مجتمعة.
2 – إيقاف تبديد الموارد الطبيعية
فالتنمية المستدامة بالنسبة للبلدان الغنية تتلخص في إجراء تخفيضات متواصلة من مستويات الاستهلاك المبددة للطاقة والموارد الطبيعية وذلك عبر تحسين مستوى الكفاءة وإحداث تغيير جذري في أسلوب الحياة. ولا بد في هذه العملية من التأكد من عدم تصدير الضغوط البيئية إلى البلدان النامية. وتعني التنمية المستدامة أيضا تغيير أنماط الاستهلاك التي تهدد التنوع البيولوجي في البلدان الأخرى دون ضرورة، كاستهلاك الدول المتقدمة للمنتجات الحيوانية المهددة بالانقراض.
3 – مسؤولية البلدان المتقدمة عن التلوث وعن معالجته
وتقع على البلدان الصناعية مسؤولية خاصة في قيادة التنمية المستدامة، لأن استهلاكها المتراكم في الماضي من الموارد الطبيعية مثل المحروقات – وبالتالي إسهامها في مشكلات التلوث العالمي- كان كبيرا بدرجة غير متناسبة. يضاف إلى هذا أن البلدان الغنية لديها الموارد المالية والتقنية والبشرية الكفيلة بأن تضطلع بالصدارة في استخدام تكنولوجيات أنظف وتستخدم الموارد بكثافة أقل، وفي القيام بتحويل اقتصادياتها نحو حماية النظم الطبيعية والعمل معها، وفي تهيئة أسباب ترمي إلى تحقيق نوع من المساواة والاشتراكية للوصول إلى الفرص الاقتصادية والخدمات الاجتماعية داخل مجتمعاتها. والصدارة تعني أيضا توفير الموارد التقنية والمالية لتعزيز للتنمية المستدامة في البلدان الأخرى – باعتبار أن ذلك استثمار في مستقبل الكرة الأرضية.
4 – تقليص تبعية البلدان النامية
وثمة جانب من جوانب الروابط الدولية فيما بين البلدان الغنية والفقيرة يحتاج إلى دراسة دقيقة. ذلك أنه بالقدر الذي ينخفض به استهلاك الموارد الطبيعية في البلدان الصناعية، يتباطأ نمو صادرات هذه المنتجات من البلدان النامية وتنخفض أسعار السلع الأساسية بدرجة أكبر، مما يحرم البلدان النامية من إيرادات تحتاج إليها احتياجا ماسا. ومما يساعد على تعويض هذه الخسائر، الانطلاق من نمط تنموي يقوم على الاعتماد على الذات لتنمية القدرات الذاتية وتأمين الاكتفاء الذاتي وبالتالي التوسع في التعاون الإقليمي، وفي التجارة فيما بين البلدان النامية، وتحقيق استثمارات ضخمة في رأس المال البشري، والتوسع في الأخذ بالتكنولوجيات المحسنة.
5 – التنمية المستدامة لدى البلدان الفقيرة
وتعني التنمية المستدامة في البلدان الفقيرة تكريس الموارد الطبيعية لأغراض التحسين المستمر في مستويات المعيشة. ويعتبر التحسين السريع، كقضية أخلاقية، أمر حاسم بالنسبة لأكثر من 20 في المائة من سكان العالم المعدمين في الوقت الحالي. ويحقق التخفيف من عبء الفقر المطلق نتائج عملية هامة بالنسبة للتنمية المستدامة، لأن هناك روابط وثيقة بين الفقر وتدهور البيئة والنمو السريع للسكان والتخلف الناجم عن التاريخ الاستعماري والتبعية المطلقة للقوى الرأسمالية. أما الذين لا تلبى لهم احتياجاتهم الأساسية، والذين ربما كان بقائهم على قيد الحياة أمرا مشكوكا فيه، فيصعب أن نتصور بأنهم سيهتمون بمستقبل كرتنا الأرضية، وليس هناك ما يدعوهم إلى تقدير مدى صلاحية تصرفاتهم للاستدامة، كما أنهم يجنحون إلى الاستزادة من الأطفال في محاولة لزيادة القوة العاملة للأسرة ولتوفير الأمن لشيخوختهم.
6 – المساواة في توزيع الموارد
إن الوسيلة الناجعة للتخفيف من عبء الفقر وتحسين مستويات المعيشة أصبحت مسؤولية كل من البلدان الغنية والفقيرة، وتعتبر هذه الوسيلة، غاية في حد ذاتها، وتتمثل في جعل فرص الحصول على الموارد والمنتجات والخدمات فيما بين جميع الأفراد داخل المجتمع أقرب إلى المساواة. فالفرص غير المتساوية في الحصول على التعليم والخدمات الاجتماعية وعلى الأراضي والموارد الطبيعية الأخرى وعلى حرية الاختيار وغير ذلك من الحقوق السياسية، تشكل حاجزا هاما أمام التنمية. فهذه المساواة تساعد على تنشيط التنمية والنمو الاقتصادي الضروريين لتحسين مستويات المعيشة.
7 – الحد من التفاوت في المداخيل
فالتنمية المستدامة تعني إذن الحد من التفاوت المتنامي في الدخل وفي فرص الحصول على الرعاية الصحية في البلدان الصناعية مثل الولايات المتحدة وإتاحة حيازات الأراضي الواسعة وغير المنتجة للفقراء الذين لا يملكون أرضا في مناطق مثل أمريكا الجنوبية أو للمهندسين الزراعيين العاطلين كما هو الشأن بالنسبة لبلادنا؛ وكذا تقديم القروض إلى القطاعات الاقتصادية غير الرسمية وإكسابها الشرعية؛ وتحسين فرص التعليم والرعاية الصحية بالنسبة للمرأة في كل مكان. وتجب الإشارة إلى أن سياسة تحسين فرص الحصول على الأراضي والتعليم وغير ذلك من الخدمات الاجتماعية لعبت دورا حاسما في تحفيز التنمية السريعة والنمو في اقتصاديات النمور الآسيوية مثل ماليزيا وكوريا الجنوبية وتايوان.
8 – تقليص الإنفاق العسكري
كما أن التنمية المستدامة يجب أن تعني في جميع البلدان تحويل الأموال من الإنفاق على الأغراض العسكرية وأمن الدولة إلى الإنفاق على احتياجات التنمية. ومن شأن إعادة تخصيص ولو جزء صغير من الموارد المكرسة الآن للأغراض العسكرية الإسراع بالتنمية بشكل ملحوظ.
الأبعاد البشرية
1 – تثبيت النمو الديموغرافي
وتعني التنمية المستدامة فيما بالأبعاد البشرية العمل على تحقيق تقدم كبير في سبيل تثبيت نمو السكان، وهو أمر بدأ يكتسي أهمية بالغة، ليس لأن النمو المستمر للسكان لفترة طويلة وبمعدلات شبيهة بالمعدلات الحالية أصبح أمرا مستحيلا استحالة واضحة فقط، بل كذلك لأن النمو السريع يحدث ضغوطا حادة على الموارد الطبيعية وعلى قدرة الحكومات على توفير الخدمات. كما أن النمو السريع للسكان في بلد أو منطقة ما يحد من التنمية، ويقلص من قاعدة الموارد الطبيعية المتاحة لإعالة كل ساكن .
2 – مكانة الحجم النهائي للسكان
وللحجم النهائي الذي يصل إليه السكان في الكرة الأرضية أهميته أيضا، لأن حدود قدرة الأرض على إعالة الحياة البشرية غير معروفة بدقة. وتوحي الإسقاطات الحالية، في ضوء الاتجاهات الحاضرة للخصوبة، بأن عدد سكان العالم سيستقر عند حوالي 11,6 مليار نسمة، وهو أكثر من ضعف عدد السكان الحاليين. وضغط السكان، حتى بالمستويات الحالية، هو عامل متنام من عوامل تدمير المساحات الخضراء وتدهور التربة والإفراط في استغلال الحياة البرية والموارد الطبيعية الأخرى؛ لأن نمو السكان يؤدي بهم إلى الأراضي الحدية، أو يتعين عليهم الإفراط في استخدام الموارد الطبيعية.
3 – أهمية توزيع السكان
كما أن لتوزيع السكان أهميته: فالاتجاهات الحالية نحو توسيع المناطق الحضرية، ولاسيما تطور المدن الكبيرة لها عواقب بيئية ضخمة. فالمدن تقوم بتركيز النفايات والمواد الملوثة فتتسبب في كثير من الأحيان في أوضاع لها خطورتها على الناس وتدمر النظم الطبيعية المحيطة بها. ومن هنا، فإن التنمية المستدامة تعني النهوض بالتنمية القروية النشيطة للمساعدة على إبطاء حركة الهجرة إلى المدن، وتعني اتخاذ تدابير سياسية خاصة من قبيل اعتماد الإصلاح الزراعي واعتماد تكنولوجيات تؤدي إلى التقليص إلى الحد الأدنى من الآثار البيئية للتحضر.
4 – الاستخدام الكامل للموارد البشرية
كما تنطوي التنمية المستدامة على استخدام الموارد البشرية استخداما كاملا، وذلك بتحسين التعليم والخدمات الصحية ومحاربة الجوع. ومن المهم بصورة خاصة أن تصل الخدمات الأساسية إلى الذين يعيشون في فقر مطلق أو في المناطق النائية؛ ومن هنا فإن التنمية المستدامة تعني إعادة توجيه الموارد أو إعادة تخصيصها لضمان الوفاء أولا بالاحتياجات البشرية الأساسية مثل تعلم القراءة والكتابة، وتوفير الرعاية الصحية الأولية، والمياه النظيفة. والتنمية المستدامة تعني –فيما وراء الاحتياجات الأساسية- تحسين الرفاه الاجتماعي، وحماية التنوع الثقافي، والاستثمار في رأس المال البشري- بتدريب المربين والعاملين في الرعاية الصحية والفنيين والعلماء وغيرهم من المتخصصين الذين تدعو إليهم الحاجة لاستمرار التنمية.
5 – الصحة والتعليم
ثم إن التنمية البشرية تتفاعل تفاعلا قويا مع الأبعاد الأخرى للتنمية المستدامة. من ذلك مثلا أن السكان الأصحاء الذين نالوا من التغذية الجيدة ما يكفيهم للعمل، ووجود قوة العمل الحسنة التعليم، أمر يساعد على التنمية الاقتصادية. ومن شأن التعليم أن يساعد المزارعين وغيرهم من سكان البادية على حماية الغابات وموارد التربة والتنوع البيولوجي حماية أفضل.
6 – أهمية دور المرأة
ولدور المرأة أهمية خاصة. ففي كثير من البلدان النامية يقوم النساء والأطفال بالزراعات المعيشية، والرعي وجمع الحطب ونقل الماء، وهم يستخدمون معظم طاقتهم في الطبخ، ويعتنون بالبيئة المنزلية مباشرة. والمرأة بعبارة أخرى هي المدبر الأول للموارد والبيئة في المنزل –كما أنها هي أول من يقدم الرعاية للأطفال- ومع ذلك فكثيرا ما تلقى صحتها وتعليمها الإهمال الصارخ مقارنة بصحة الرجال وتعليمهم. والمرأة الأكثر تعليما، لديها فرص أكبر في الحصول على وسائل منع الحمل، كما أن معدلات خصوبتها أقل في المتوسط، وأطفالها أكثر صحة. ومن شأن الاستثمار في صحة المرأة وتعليمها أن يعود على القابلية للاستدامة بمزايا متعددة.
7 – الأسلوب الديمقراطي الاشتراكي في الحكم
ثم إن التنمية المستدامة على المستوى السياسي تحتاج إلى مشاركة من تمسهم القرارات، في التخطيط لهذه القرارات وتنفيذها، وذلك لسبب عملي هو أن جهود التنمية التي لا تشرك الجماعات المحلية كثيرا ما يصيبها الإخفاق. لذلك فإن اعتماد النمط الديمقراطي الاشتراكي في الحكم يشكل القاعدة الأساسية للتنمية البشرية المستدامة في المستقبل.
الأبعاد البيئية
1 – إتلاف التربة، استعمال المبيدات، تدمير الغطاء النباتي والمصايد
بالنسبة للأبعاد البيئية نلاحظ أن تعرية التربة وفقدان إنتاجيتها يؤديان إلى التقليص من غلتها، ويخرجان سنويا من دائرة الإنتاج مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية. كما أن الإفراط في استخدام الأسمدة ومبيدات الحشرات يؤدي إلى تلويث المياه السطحية والمياه الجوفية. أما الضغوط البشرية والحيوانية، فإنها تضر بالغطاء النباتي والغابات أو تدمرهما. وهناك مصايد كثيرة للأسماك في المياه العذبة أو المياه البحرية يجري استغلالها فعلا بمستويات غير مستدامة، أو أنها توشك أن تصبح كذلك.
2 – حماية الموارد الطبيعية
والتنمية المستدامة تحتاج إلى حماية الموارد الطبيعية اللازمة لإنتاج المواد الغذائية والوقود –ابتداء من حماية التربة إلى حماية الأراضي المخصصة للأشجار وإلى حماية مصايد الأسماك- مع التوسع في الإنتاج لتلبية احتياجات السكان الآخذين في التزايد، وهذه الأهداف يحتمل تضاربها، ومع ذلك فإن الفشل في صيانة الموارد الطبيعية التي تعتمد عليها الزراعة كفيل بحدوث نقص في الأغذية في المستقبل. وتعني التنمية المستدامة هنا استخدام الأراضي القابلة للزراعة وإمدادات المياه استخداما أكثر كفاءة، وكذلك استحداث وتبني ممارسات وتكنولوجيات زراعية محسنة تزيد الغلة. وهذا يحتاج إلى اجتناب الإسراف في استخدام الأسمدة الكيميائية والمبيدات حتى لا تؤدي إلى تدهور الأنهر والبحيرات، وتهدد الحياة البرية، وتلوث الأغذية البشرية والإمدادات المائية. وهذا يعني استخدام الري استخداما حذرا، واجتناب تمليح أراضي المحاصيل وتشبعها بالماء.
3 – صيانة المياه
وفي بعض المناطق تقل إمدادات المياه، ويهدد السحب من الأنهار باستنفاد الإمدادات المتاحة، كما أن المياه الجوفية يتم ضخها بمعدلات غير مستدامة. كما أن النفايات الصناعية والزراعية والبشرية تلوث المياه السطحية والمياه الجوفية، وتهدد البحيرات والمصبات في كل بلد تقريبا. والتنمية المستدامة تعني صيانة المياه بوضع حد للاستخدامات المبددة وتحسين كفاءة شبكات المياه. وهي تعني أيضا تحسين نوعية المياه وقصر المسحوبات من المياه السطحية على معدل لا يحدث اضطرابا في النظم الإيكولوجية التي تعتمد على هذه المياه، وقصر المسحوبات من المياه الجوفية على معدل تجددها.
4 – تقليص ملاجئ الأنواع البيولوجية
وتواصل مساحة الأراضي القابلة للزراعة – وهي الأراضي التي لم تدخل بعد في الاستخدام البشري – انخفاضها، مما يقلص من الملاجئ المتاحة للأنواع الحيوانية والنباتية، باستثناء القلة التي يديرها البشر إدارة مكتفة، أو التي تستطيع العيش في البيئة المستأنسة. وتتعرض الغابات المدارية والنظم الإيكولوجية للشعب المرجانية والغابات الساحلية وغيرها من الأراضي الرطبة وسواها من الملاجئ الفريدة الأخرى لتدمير سريع، كما أن انقراض الأنواع الحيوانية والنباتية آخذا في التسارع. والتنمية المستدامة في هذا المجال تعني أن يتم صيانة ثراء الأرض في التنوع البيولوجي للأجيال المقبلة، وذلك بإبطاء عمليات الانقراض وتدمير الملاجئ والنظم الإيكولوجية بدرجة كبيرة – وإن أمكن وقفها.
5 – حماية المناخ من الاحتباس الحراري
والتنمية المستدامة تعني كذلك عدم المخاطرة بإجراء تغييرات كبيرة في البيئة العالمية – بزيادة مستوى سطح البحر، أو تغيير أنماط سقوط الأمطار والغطاء النباتي، أو زيادة الأشعة فوق البنفسجية – يكون من شأنها إحداث تغيير في الفرص المتاحة للأجيال المقبلة. ويعني ذلك الحيلولة دون زعزعة استقرار المناخ، أو النظم الجغرافية الفيزيائية والبيولوجية أو تدمير طبقة الأزون الحامية للأرض من جراء أفعال الإنسان.
الأبعاد التكنولوجية
1 – استعمال تكنولوجيات أنظف في المرافق الصناعية
كثيرا ما تؤدي المرافق الصناعية إلى تلويث ما يحيط بها من هواء ومياه وأرض. وفي البلدان المتقدمة النمو، يتم الحد من تدفق النفايات وتنظيف التلوث بنفقات كبيرة؛ أما في البلدان النامية، فإن النفايات المتدفقة في كثير منها لا يخضع للرقابة إلى حد كبير. ومع هذا فليس التلوث نتيجة لا مفر منها من نتائج النشاط الصناعي. وأمثال هذه النفايات المتدفقة تكون نتيجة لتكنولوجيات تفتقر إلى الكفاءة أو لعمليات التبديد، وتكون نتيجة أيضا للإهمال والافتقار إلى فرض العقوبات الاقتصادية. وتعني التنمية المستدامة هنا التحول إلى تكنولوجيات أنظف وأكفأ وتقلص من استهلاك الطاقة وغيرها من الموارد الطبيعية إلى أدنى حد. وينبغي أن يتمثل الهدف في عمليات أو نظم تكنولوجية تتسبب في نفايات أو ملوثات أقل في المقام الأول، وتعيد تدوير النفايات داخليا، وتعمل مع النظم الطبيعية أو تساندها. وفي بعض الحالات التي تفي التكنولوجيات التقليدية بهذه المعايير فينبغي المحافظة عليها.
2 – الأخذ بالتكنولوجيات المحسنة وبالنصوص القانونية الزاجرة
والتكنولوجيات المستخدمة الآن في البلدان النامية كثيرا ما تكون أقل كفاءة وأكثر تسببا في التلوث من التكنولوجيات المتاحة في البلدان الصناعية. والتنمية المستدامة تعني الإسراع بالأخذ بالتكنولوجيات المحسنة، وكذلك بالنصوص القانونية الخاصة بفرض العقوبات في هذا المجال وتطبيقها. ومن شأن التعاون التكنولوجي – سواء بالاستحداث أو التطويع لتكنولوجيات أنظف وأكفأ تناسب الاحتياجات المحلية –الذي يهدف إلى سد الفجوة بين البلدان الصناعية والنامية أن يزيد من الإنتاجية الاقتصادية، وأن يحول أيضا دون مزيد من التدهور في نوعية البيئة. وحتى تنجح هذه الجهود، فهي تحتاج أيضا إلى استثمارات كبيرة في التعليم والتنمية البشرية، ولاسيما في البلدان الأشد فقرا. والتعاون التكنولوجي يوضح التفاعل بين الأبعاد الاقتصادية والبشرية والبيئية والتكنولوجية في سبيل تحقيق التنمية المستدامة.
3 – المحروقات والاحتباس الحراري
كما أن استخدام المحروقات يستدعي اهتماما خاصا لأنه مثال واضح على العمليات الصناعية غير المغلقة. فالمحروقات يجري استخراجها وإحراقها وطرح نفاياتها داخل البيئة، فتصبح بسبب ذلك مصدرا رئيسيا لتلوت الهواء في المناطق العمرانية، وللأمطار الحمضية التي تصيب مناطق كبيرة، والاحتباس الحراري الذي يهدد بتغير المناخ. والمستويات الحالية لانبعاث الغازات الحرارية من أنشطة البشر تتجاوز قدرة الأرض على امتصاصها؛ وإذا كانت الآثار قد أصبحت خلال العقد الأخير من القرن العشرين واضحة المعالم، فإن معظم العلماء متفقون على أن أمثال هذه الانبعاث لا يمكن لها أن تستمر إلى ما لا نهاية سواء بالمستويات الحالية أو بمستويات متزايدة، دون أن تتسبب في احترار عالمي للمناخ. وسيكون للتغييرات التي تترتب عن ذلك في درجات الحرارة وأنماط سقوط الأمطار ومستويات سطح البحر فيما بعد – ولاسيما إذا جرت التغييرات سريعا- آثار مدمرة على النظم الإيكولوجية وعلى رفاه الناس ومعاشهم، ولاسيما بالنسبة لمن يعتمدون اعتمادا مباشرا على النظم الطبيعية.
4 – الحد من انبعاث الغازات
وترمي التنمية المستدامة في هذا المجال إلى الحد من المعدل العالمي لزيادة انبعاث الغازات الحرارية. وذلك عبر الحد بصورة كبيرة من استخدام المحروقات، وإيجاد مصادر أخرى للطاقة لإمداد المجتمعات الصناعية. وسيكون من المتعين على البلدان الصناعية أن تتخذ الخطوات الأولى للحد من انبعاث ثاني أكسيد الكربون واستحداث تكنولوجيات جديدة لاستخدام الطاقة الحرارية بكفاءة أكبر، وتوفير إمدادات من الطاقة غير الحرارية تكون مأمونة وتكون نفقتها محتملة. على أنه حتى تتوافر أمثال هذه التكنولوجيات، فالتنمية المستدامة تعني استخدام المحروقات بأكفأ ما يستطاع في جميع البلدان.
5 – الحيلولة دون تدهور طبقة الأزون
والتنمية المستدامة تعني أيضا الحيلولة دون تدهور طبقة الأوزون الحامية للأرض. وتمثل الإجراءات التي اتخذت لمعالجة هذه المشكلة سابقة مشجعة: فاتفاقية كيوتو جاءت للمطالبة بالتخلص تدريجيا من المواد الكيميائية المهددة للأزون، وتوضح بأن التعاون الدولي لمعالجة مخاطر البيئة العالمية هو أمر مستطاع. لكن تعنت الولايات المتحدة الأمريكية واعتدادها بأن قوتها أصبحت فوق إرادة المجتمع الدولي جعلها ترفض التوقيع على هذه الاتفاقية ما دام أن لا أحدا يستطيع إجبارها على ذلك.
خاتمة:
يحتاج تحقيق هدف التنمية المستدامة إلى إحراز تقدم متزامن في أربعة أبعاد على الأقل، هي الأبعاد الاقتصادية، والبشرية والبيئية والتكنولوجية. وهناك ارتباط وثيق فيما بين هذه الأبعاد المختلفة، والإجراءات التي تتخذ في إحداها من شأنها تعزيز الأهداف في بعضها الآخر. ومن ذلك مثلا أن الاستثمار الضخم في رأس المال البشري، ولاسيما فيما بين الفقراء، يدعم الجهود الرامية إلى الإقلال من الفقر، وإلى الإسراع في تثبيت عدد السكان، وإلى تضييق الفوارق الاقتصادية وإلى الحيلولة دون مزيد من التدهور للأراضي والموارد، وإلى السماح بالتنمية العاجلة واستخدام مزيد من التكنولوجيات الناجعة في جميع البلدان.
والابتكار التكنولوجي هو في حد ذاته موضوع محوري متباين الجوانب. فالاستدامة تتطلب تغييرا تكنولوجيا مستمرا في البلدان الصناعية للحد من انبعاث الغازات ومن استخدام الموارد من حيث الوحدة الواحدة من الناتج. كما يتطلب تغيرا تكنولوجيا سريعا في البلدان النامية، ولاسيما البلدان الآخذة بالتصنيع، لتفادي تكرار أخطاء التنمية، وتفادي مضاعفة الضرر البيئي الذي أحدثته البلدان الصناعية. والتحسين التكنولوجي هو بدوره أمر هام في التوفيق بين أهداف التنمية وقيود البيئة.
وتتطلب التنمية المستدامة تغييرا جوهريا في السياسات والممارسات الحالية، لكن هذا التغيير لن يتأتى بسهولة، ولن يتأتى أبدا بدون قيادة قوية وجهود متصلة ونضالات مستمرة من طرف القوى العاملة والشعوب المقهورة في بلدان كثيرة.
شكل هذا الموضوع نص مداخلة في الاجتماع السنوي لنقابة المهندسين الزراعيين التابعة للاتحاد المغربي للشغل المنعقد بتاريخ فاتح نوفمبر2002 م .
نقلا عن :- http://www.ausde.org/?page_id=3621 – استعمال تكنولوجيات أنظف في المرافق الصناعية
كثيرا ما تؤدي المرافق الصناعية إلى تلويث ما يحيط بها من هواء ومياه وأرض. وفي البلدان المتقدمة النمو، يتم الحد من تدفق النفايات وتنظيف التلوث بنفقات كبيرة؛ أما في البلدان النامية، فإن النفايات المتدفقة في كثير منها لا يخضع للرقابة إلى حد كبير. ومع هذا فليس التلوث نتيجة لا مفر منها من نتائج النشاط الصناعي. وأمثال هذه النفايات المتدفقة تكون نتيجة لتكنولوجيات تفتقر إلى الكفاءة أو لعمليات التبديد، وتكون نتيجة أيضا للإهمال والافتقار إلى فرض العقوبات الاقتصادية. وتعني التنمية المستدامة هنا التحول إلى تكنولوجيات أنظف وأكفأ وتقلص من استهلاك الطاقة وغيرها من الموارد الطبيعية إلى أدنى حد. وينبغي أن يتمثل الهدف في عمليات أو نظم تكنولوجية تتسبب في نفايات أو ملوثات أقل في المقام الأول، وتعيد تدوير النفايات داخليا، وتعمل مع النظم الطبيعية أو تساندها. وفي بعض الحالات التي تفي التكنولوجيات التقليدية بهذه المعايير فينبغي المحافظة عليها.
2 – الأخذ بالتكنولوجيات المحسنة وبالنصوص القانونية الزاجرة
والتكنولوجيات المستخدمة الآن في البلدان النامية كثيرا ما تكون أقل كفاءة وأكثر تسببا في التلوث من التكنولوجيات المتاحة في البلدان الصناعية. والتنمية المستدامة تعني الإسراع بالأخذ بالتكنولوجيات المحسنة، وكذلك بالنصوص القانونية الخاصة بفرض العقوبات في هذا المجال وتطبيقها. ومن شأن التعاون التكنولوجي – سواء بالاستحداث أو التطويع لتكنولوجيات أنظف وأكفأ تناسب الاحتياجات المحلية –الذي يهدف إلى سد الفجوة بين البلدان الصناعية والنامية أن يزيد من الإنتاجية الاقتصادية، وأن يحول أيضا دون مزيد من التدهور في نوعية البيئة. وحتى تنجح هذه الجهود، فهي تحتاج أيضا إلى استثمارات كبيرة في التعليم والتنمية البشرية، ولاسيما في البلدان الأشد فقرا. والتعاون التكنولوجي يوضح التفاعل بين الأبعاد الاقتصادية والبشرية والبيئية والتكنولوجية في سبيل تحقيق التنمية المستدامة.
3 – المحروقات والاحتباس الحراري
كما أن استخدام المحروقات يستدعي اهتماما خاصا لأنه مثال واضح على العمليات الصناعية غير المغلقة. فالمحروقات يجري استخراجها وإحراقها وطرح نفاياتها داخل البيئة، فتصبح بسبب ذلك مصدرا رئيسيا لتلوت الهواء في المناطق العمرانية، وللأمطار الحمضية التي تصيب مناطق كبيرة، والاحتباس الحراري الذي يهدد بتغير المناخ. والمستويات الحالية لانبعاث الغازات الحرارية من أنشطة البشر تتجاوز قدرة الأرض على امتصاصها؛ وإذا كانت الآثار قد أصبحت خلال العقد الأخير من القرن العشرين واضحة المعالم، فإن معظم العلماء متفقون على أن أمثال هذه الانبعاث لا يمكن لها أن تستمر إلى ما لا نهاية سواء بالمستويات الحالية أو بمستويات متزايدة، دون أن تتسبب في احترار عالمي للمناخ. وسيكون للتغييرات التي تترتب عن ذلك في درجات الحرارة وأنماط سقوط الأمطار ومستويات سطح البحر فيما بعد – ولاسيما إذا جرت التغييرات سريعا- آثار مدمرة على النظم الإيكولوجية وعلى رفاه الناس ومعاشهم، ولاسيما بالنسبة لمن يعتمدون اعتمادا مباشرا على النظم الطبيعية.
4 – الحد من انبعاث الغازات
وترمي التنمية المستدامة في هذا المجال إلى الحد من المعدل العالمي لزيادة انبعاث الغازات الحرارية. وذلك عبر الحد بصورة كبيرة من استخدام المحروقات، وإيجاد مصادر أخرى للطاقة لإمداد المجتمعات الصناعية. وسيكون من المتعين على البلدان الصناعية أن تتخذ الخطوات الأولى للحد من انبعاث ثاني أكسيد الكربون واستحداث تكنولوجيات جديدة لاستخدام الطاقة الحرارية بكفاءة أكبر، وتوفير إمدادات من الطاقة غير الحرارية تكون مأمونة وتكون نفقتها محتملة. على أنه حتى تتوافر أمثال هذه التكنولوجيات، فالتنمية المستدامة تعني استخدام المحروقات بأكفأ ما يستطاع في جميع البلدان.
5 – الحيلولة دون تدهور طبقة الأزون
والتنمية المستدامة تعني أيضا الحيلولة دون تدهور طبقة الأوزون الحامية للأرض. وتمثل الإجراءات التي اتخذت لمعالجة هذه المشكلة سابقة مشجعة: فاتفاقية كيوتو جاءت للمطالبة بالتخلص تدريجيا من المواد الكيميائية المهددة للأزون، وتوضح بأن التعاون الدولي لمعالجة مخاطر البيئة العالمية هو أمر مستطاع. لكن تعنت الولايات المتحدة الأمريكية واعتدادها بأن قوتها أصبحت فوق إرادة المجتمع الدولي جعلها ترفض التوقيع على هذه الاتفاقية ما دام أن لا أحدا يستطيع إجبارها على ذلك.
خاتمة:
يحتاج تحقيق هدف التنمية المستدامة إلى إحراز تقدم متزامن في أربعة أبعاد على الأقل، هي الأبعاد الاقتصادية، والبشرية والبيئية والتكنولوجية. وهناك ارتباط وثيق فيما بين هذه الأبعاد المختلفة، والإجراءات التي تتخذ في إحداها من شأنها تعزيز الأهداف في بعضها الآخر. ومن ذلك مثلا أن الاستثمار الضخم في رأس المال البشري، ولاسيما فيما بين الفقراء، يدعم الجهود الرامية إلى الإقلال من الفقر، وإلى الإسراع في تثبيت عدد السكان، وإلى تضييق الفوارق الاقتصادية وإلى الحيلولة دون مزيد من التدهور للأراضي والموارد، وإلى السماح بالتنمية العاجلة واستخدام مزيد من التكنولوجيات الناجعة في جميع البلدان.
والابتكار التكنولوجي هو في حد ذاته موضوع محوري متباين الجوانب. فالاستدامة تتطلب تغييرا تكنولوجيا مستمرا في البلدان الصناعية للحد من انبعاث الغازات ومن استخدام الموارد من حيث الوحدة الواحدة من الناتج. كما يتطلب تغيرا تكنولوجيا سريعا في البلدان النامية، ولاسيما البلدان الآخذة بالتصنيع، لتفادي تكرار أخطاء التنمية، وتفادي مضاعفة الضرر البيئي الذي أحدثته البلدان الصناعية. والتحسين التكنولوجي هو بدوره أمر هام في التوفيق بين أهداف التنمية وقيود البيئة.
وتتطلب التنمية المستدامة تغييرا جوهريا في السياسات والممارسات الحالية، لكن هذا التغيير لن يتأتى بسهولة، ولن يتأتى أبدا بدون قيادة قوية وجهود متصلة ونضالات مستمرة من طرف القوى العاملة والشعوب المقهورة في بلدان كثيرة.
شكل هذا الموضوع نص مداخلة في الاجتماع السنوي لنقابة المهندسين الزراعيين التابعة للاتحاد المغربي للشغل المنعقد بتاريخ فاتح نوفمبر2002 م .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
رجاء كتابة تعليقك