الجغرافيا الاجتماعية *
المقدمة
يرجع الاهتمام بالبيئة الاجتماعية الى بدايات حياة الانسان على وجه البسيطة و اهتمامه باكتشاف المناطق المحيطة به ، ومعرفة احوال ساكنيها ، وتعمق الاهتمام مع تطور الحضارة الانسانية عبر العصور . والجغرافيون العرب قد ذكروا الصفات الاجتماعية للسكان كما وصفوا العمران والمباني للبلدان . وقد فسر ابن خلدون التاريخ في ضوء تطور الاوضاع الاقتصادية للمجتمع ، بعد ان صنفه الى بدو و حضر . بعبارة ادق ، تمثلت الجغرافيا عند العرب بدراسة المعطيات الاجتماعية والاقتصادية للبلدان (شوكة ، 1990) .
وفي عصر النهضة الاوربية كان التركيز على العلاقة بين الانسان والبيئة ، مع التاكيد على اثر البيئة على تكوين الانسان نفسيا وفكريا (الحتم الجغرافي) ، وانعكست هذه النظرة بشكل او بآخر على افكار كانت Kant الذي عد الجغرافيا سجلا للظاهرات التي تتوالى على سطح الارض ، الطبيعية والبشرية . وقال رتر Ritter بان الجغرافيا هي دراسة العوامل الاجتماعية وعلاقاتها بالعوامل البشرية الاخرى وبالارض . وقد ركز راتزل Ratzel على العوامل العنصرية والسياسية والاجتماعية عند وصفه الاقاليم الجغرافية . وقالت الين سمبل Ellen Semple بان الانسان ابن البيئة التي تطعمه وتوجه افكاره وتضع الصعاب في طريقه . وتؤكد جميع هذه الافكار على اهمية البيئة الاجتماعية واثرها على الانسان وسلوكه ونشاطه .
يرجع الاهتمام بالبيئة الاجتماعية الى بدايات حياة الانسان على وجه البسيطة و اهتمامه باكتشاف المناطق المحيطة به ، ومعرفة احوال ساكنيها ، وتعمق الاهتمام مع تطور الحضارة الانسانية عبر العصور . والجغرافيون العرب قد ذكروا الصفات الاجتماعية للسكان كما وصفوا العمران والمباني للبلدان . وقد فسر ابن خلدون التاريخ في ضوء تطور الاوضاع الاقتصادية للمجتمع ، بعد ان صنفه الى بدو و حضر . بعبارة ادق ، تمثلت الجغرافيا عند العرب بدراسة المعطيات الاجتماعية والاقتصادية للبلدان (شوكة ، 1990) .
وفي عصر النهضة الاوربية كان التركيز على العلاقة بين الانسان والبيئة ، مع التاكيد على اثر البيئة على تكوين الانسان نفسيا وفكريا (الحتم الجغرافي) ، وانعكست هذه النظرة بشكل او بآخر على افكار كانت Kant الذي عد الجغرافيا سجلا للظاهرات التي تتوالى على سطح الارض ، الطبيعية والبشرية . وقال رتر Ritter بان الجغرافيا هي دراسة العوامل الاجتماعية وعلاقاتها بالعوامل البشرية الاخرى وبالارض . وقد ركز راتزل Ratzel على العوامل العنصرية والسياسية والاجتماعية عند وصفه الاقاليم الجغرافية . وقالت الين سمبل Ellen Semple بان الانسان ابن البيئة التي تطعمه وتوجه افكاره وتضع الصعاب في طريقه . وتؤكد جميع هذه الافكار على اهمية البيئة الاجتماعية واثرها على الانسان وسلوكه ونشاطه .
بظهور الافكار الرافضة للحتم الجغرافي درست الجماعات البشرية وعلاقاتها مع المسرح الجغرافي ، ولهذا السبب عد ديمانجو Demangeon الجغرافيا البشرية دراسة للمجموعات البشرية و المجتمعات وعلاقاتها بالبيئة الطبيعية . وكان باران Barran أكثر دقة عندما قال بان الجغرافيا هي دراسة البيئة البشرية Human Ecology (فريمان ، بدون تاريخ) . يستخلص من هذا ، لم يكن هناك تمييزا بين جوانب الجغرافيا الطبيعية والبشرية ، وتمثل الجانب البشري بالمجال الاجتماعي . وقد اعتمدت المدرسة الفرنسية هذه النظرة وتوضح اثرها عندما جرت مناقشة لاستبدال اسم الجغرافيا البشرية لتكون الجغرافيا الاجتماعية . وجاء رواد منحى الرفاه الاجتماعي في الجغرافيا البشرية لتمثل بداية تكوين الجغرافيا الاجتماعية المعاصره . وقد قال البعض بانها تضم اربعة فروع هي :-
1) توزيع السكان
2) توزيع العمران الريفي واشكاله
3) جغرافية المدن والبلدان
4) توزيع الجماعات البشرية ونظم حياتها في بيئاتها المحلية .
اي الجغرافيا البشرية بابرز تخصصاتها .
ويرجع تطور المنظور الاجتماعي في الجغرافيا الى تطور الجغرافيا ذاتها ، حيث كانت وحدة متكاملة (طبيعية وبشريه) ، وببروز التخصصات الحديثة في الجغرافيا بدأ التمييز والفصل بين المحورين الطبيعي والبشري ، ونشطت عملية التحزب والتعصب للتخصص الدقيق بعيدا عن الموضوعية والشمولية التي عرفت بها الجغرافيا . نتج عن ضيق الافق هذا ، الميل الى ايجاد تفرعات دقيقة جديدة و توسيعها وايجاد مناحي بحثية مستقاة من العلوم الاخرى . وكرد فعل ظهر المنحى الاجتماعي في الجغرافيا البشرية (عامة و جغرافية الحضر خاصة) . وتطور هذا المنحى بعد ان وجد له مجالا و مناصرين .
ومنذ اواخر ستينات القرن الماضي و الجامعيون منهمكون في اعادة اكتشاف المشكلات الاجتماعية التي تعاني منها مجتمعاتهم و تأشير ابعادها المكانية. وقد انصب الاهتمام في الولايات المتحدة الامريكية حينها على اثر حرب فيتنام و مشكلات الفقر و الجنوح عند الشباب و الجريمة . وفي دول اخرى تركز الاهتمام على تباين مستويات المعيشة و سوء توزيع الخدمات والمنافع العامة ، اضافة الى المشكلات البيئية الاخرى .
وكان هدف الباحثين ابراز تخصصاتهم العلمية الجديدة واعطائها اهمية من خلال دراسة مشاكل الحياة اليومية و المشكلات التي يعاني منها المجتمع و تواجهها الدولة و تتطلب معالجتها مساهمة واسعة و كبيرة من لدن كل المعنيين بالمجتمع و رفاهه و استقراره و تقدمه . لقد نظر البعض الى هذه المساهمات العلمية الموجهة كثورة في تحمل المسؤلية الاجتماعية . وعدها البعض مساهمة غير مباشرة من الجامعيين في صناعة القرارات ورسم سياسة الدولة الاجتماعية من خلال الابحاث والدراسات التطبيقية . ونظر لها البعض كتقويم علمي لسياسة الدولة واصلاح نظمها الادارية والاجرائية بهدف اعادة التوزيع المكاني للخدمات والمنافع العامة بما يضمن مصلحة الاكثرية ، وحماية مصالح المجاميع الاكثر تضررا في المجتمع .
وعلى الرغم من ان الجغرافيين قد اهتموا بدراسة التركيب الاجتماعي وتوزيعه المكاني منذ عشرينيات القرن الماضي من خلال دراسة ايكولوجية المدينة ورسم حدود مناطقها الاجتماعية و تحديد مناطق المشاكل فيها ، الا ان اهتمامهم هذا لم يتوضح و يتنامى الا خلال عقد السبعينات وكأنهم اكتشفوا عاملا جديدا يضاف الى العوامل الاقتصادية والسياسية التي تؤطر و تشكل الانماط المكانية في المدينة . لقد اكتشف الجغرافيون اخيرا اثر العامل الاجتماعي على تنظيم المدينة و تشكيل نظمها Systems الداخلية (الثانوية) . ولهذا السبب فقد توجهت الدراسات الجغرافية نحو دراسة المشكلات الاجتماعية وتقويم كفاءة اداء الدولة و سياساتها المحلية الاجتماعية .
يستخلص مما تقدم ، ان الجغرافيا الاجتماعية كمنحى قديم قدم الجغرافيا ذاتها ، وكتخصص دقيق حديث التكوين نسبيا . وقد كان التركيز فيه أول الامر على دراسة الخصائص التفصيلية للسكان (المعطيات الديموغرافية) ، ولهذا السبب درست الجغرافيا الاجتماعية اصلا ضمن حقل واسع عام هو الجغرافيا البشرية دون تأشير معالم مجالها الدقيقة . وبعد المرحلة الاولية هذه ، توجه الجغرافيون لدراسة مستويات الرفاه الاجتماعي والانماط المكانية التي تشكلها المجاميع الاجتماعية . وبعد ذلك تعمقوا في دراسة العمليا (المعالجات Process) التي تؤدي الى تكوين هذه الانماط وتؤثر عليها . ومن هنا برزت معالم التخصص الجديد (القديم) و تشكل فرع جديد لشجرة الجغرافيا الوافرة الضلال .
تعريف الجغرافيا الاجتماعية
لما كانت الجغرافيا علما يدرس الانسان والطبيعة وعلاقاتهما ببعض ، وهما محورا جميع العلوم ، لذا بديهي ان تشترك الجغرافيا مع معظم ان لم يكن جميع العلوم في الكثير من الاهتمامات والتداخلات البحثية و التقنيات ، مما جعلها تبدو هلامية غير واضحة المعالم والحدود عند الكثيرين ، بما فيهم الجغرافيون (عن سوء فهم لها او اكثر اندفاعا نحو الجديد والابتعاد عن الفكر الجغرافي الرصين) . فالجغرافيا تتداخل اهتماماتها مع علوم الارض (الجيولوجيا) والتاريخ والاقتصاد والاجناس والاجتماع والسياسة والتخطيط و غيرها . وقد ادى هذا التداخل الواسع مع مختلف العلوم صعوبة اضافة الجغرافيا كعلم الى التخصصات العلمية الرئيسة : علوم الارض ، العلوم الانسانية ن العلوم الاجتماعية ، علوم البيئة . وتكون المشكلة اكثر حدة مع فروع الجغرافيا الحديثة التكوين (الهجينة) التي لم تتضح بعد معالمها و حدود بحثها ومجالها .وبديهي ان يكون هناك تداخل واشتراك في الاهتمامات والمجالات بين الجغرافيا الاجتماعية وعلم الاجتماع (في مختلف تخصصاته الدقيقة) وان تكون نظريات وافتراضات الفرع الجديد مشتقة من نظريات علم الاجتماع ، اضافة الى نظريات التحليل المكاني و النظريات الجغرافية الاخرى . ولما كان هذا الفرع غضا طريا لم يتبلور شكله ومضمونه بعد ، لذا فقد تباينت تعريفات رواده له واختلف جغرافيو المجتمع Social geographers حول صياغة تعريف موحد له .
تعكس التعاريف اهتمامات واضعيها و خلفياتهم العلمية وتوجهاتهم المستقبلية في البحث والتقصي . انها تمثل تصور كل منهم لمضمون الفرع الجديد ومجاله والمرحلة الزمنية التي كتب بها التعريف . فواتسن يعرف الجغرافيا الاجتماعية بانها تحديد الاقاليم الموجودة على سطح الارض استنادا على الاشتراك في ظاهرة اجتماعية معينة (Watson 1957) . لقد ركز واتسن على الانماط المكانية ، التوزيعات الجغرافية للظواهر الاجتماعية كمعيار رئيس لتحديد الاقاليم الجغرافية . فهي الخطوة الاولى لرسم حدود مناطق المشاكل ، التي تعتمد في التحليل المكاني والمفسرة للانماط وتبايناتها مكانيا وزمنيا لاحقا . وعرفها باهل بانها تدرس الانماط والمعالجات (العمليات) التي تساعد في فهم السكان المعرفين اجتماعيا في مواقعهم المكانية (Pahl 1965) . لقد أخذ باهل منحى علم الاجتماع حيث اعتمد الموقع المكاني كجزء من هيكل التحليل وليس محورا اساسيا له ، وهذه هي نقطة الاختلاف بينه و واتسن . فالهدف عند باهل هو فهم واستيعاب المجاميع الاجتماعية مكانيا . اما بوتيمر فقد نظرت للجغرافيا الاجتماعية كدراسة للانماط المكانية والعلاقات الوظيفية للمجاميع الاجتماعية ضمن بيئاتها المحلية ، ودراسة التركيب الداخلي والخارجي للعلاقات في مواقع تشكل عقدا Nodes للنشاطات الاجتماعية وايضاح مختلف قنوات الاتصالات الاجتماعية (Buttimer 1968) . في هذا التعريف ركز على الاقليم الوظيفي والعلاقات الوظيفية ، كما تم الاهتمام بالمجاميع الاجتماعية كمحور للتصنيف الاقليمي . يوجه هذا التعريف الانتباه الى ضرورة تحديد معنى البيئة الاجتماعية (اقاليم الامان مثلا) بالنسبة للمجاميع الاجتماعية المختلفة .
ويرى ايليز الجغرافيا الاجتماعية كتحليل للانماط والمعالجات الاجتماعية الناجمة عن توزيع الموارد النادرة وتباين امكانات الوصول اليها والحصول عليها (Eyles 1974) . لقد ربط بين العامل الاقتصادي والتنظيم الاداري لاستثمار الموارد ، وفسر التباينات الاجتماعية على ضوء ذلك . بالمقابل ، يعتقد جونز بان الجغرافيا الاجتماعية هي فهم للانماط الناجمة عن استخدام المجاميع الاجتماعية للحيز (الفضاء ، المجال Space) كما يروه ، واستيعاب للمعالجات التي شكلت هذه الانماط وتعمل على تغييرها (Jones 1975) .تركيز جونز منصب على الادراك الذاتي للحيز والتعامل معه استنادا على ذلك . الاختلاف الاخر بين الاخيرين مرده الى ان جونز قد ركز على المجموعات الاجتماعية وادراكها واستثمارها للحيز الذي تعيش فيه وتنشط ، بينما اهتم ايليز بالمعالجات الاجتماعية – المكانية الناتجة عن ندرة الموارد وسوء توزيعها (السلع والخدمات والمنافع العامة والتسهيلات الضرورية للحياة) . يرفض واتسن ان تكون الجغرافيا علما للتوزيعات وذلك لانها ستفقد قيمتها كعلم ، لذلك ليست الجغرافيا الاجتماعية في نظره مجرد اطار مكاني لعلم الاجتماع . فهي ليست دراسة منهجية للمجتمع ونسبته الى البيئة ، انها تحليل للاسباب في الاختلاف الاجتماعي ، وعلاقاتها بالعوامل الجغرافية الاخرى . بهذا المعنى ، لا تهمل الجغرافيا الاجتماعية المعالجات الاجتماعية ولكنها لا تكون موضوعها الرئيس او محورها الاساسي . فالجغرافيا الاجتماعية تدرس المجتمع في الاقليم وتمزج بين الوظيفة و الشكل الاجتماعي لتؤشر حدود الاقليم الوظيفي . بعبارة ادق ، التعرف على الاقاليم المختلفة على سطح الارض تبعا لمجموعة مترابطة من الظواهر الاجتماعية التي تنسب الى البيئات المحلية . وتمثل عملية التعرف هذه هدفا و وسيلة في الوقت نفسه . هدفا في المرحلة الاولى لاستكشاف المجتمع جغرافيا ودراسته ، و وسيلة في الدراسات التتبعية او لرسم ساسات اجتماعية علاجية و وقائية .
من هذا العرض الموجز لبعض التعاريف يستدل على ان الجغرافيا الاجتماعية هي امتداد جغرافي يربط المكان بمعطياته مع المشكلات الاجتماعية قصد تفسيرها في ضوء البيئة المكانية المحلية . بمعنى آخر ، تكملة النقص الحاصل عند دراسة المشكلات الاجتماعية بعيدا عن اثر المكان عليها . انها لا تكتفي بدراسة التوزيع الجغرافي للظواهر والمشكلات الاجتماعية (انماطها المكانية) ، بل تحلل علاقاتها المكانية (المعالجات) وتؤشر مساراتها زمنيا ومكانيا .
مجال الجغرافيا الاجتماعية
تدرس الجغرافيا الاجتماعية اربعة موضوعات اساسية ، هي :-
1) الانماط المكانية Spatial Patterns و التوزيعات الجغرافية للظاهرة الاجتماعية ، وكلاهما في حركة و لكن الفارق بالسرعة ، فالنمط اكثر استقرارية من التوزيع . والعوامل التي تؤثر عليهما متباينة زمنيا ومكانيا ، ولكن دراستهما ضرورية في المراحل الاولى من البحث العلمي وخطوة تقود في محصلتها النهائية الى التحليل المعمق . فالانماط تكون هدفا للدراسة في المرحلة الاولية .
2) المعالجات (العمليات) Processes وهي تفسر الانماط . فالباحث الذي اشر درجة تركز مجموعة اجتماعية معينة او ظاهرة محددة او مشكلة ما في مكان ما عليه ان يتحرى الاسباب التي ادت الى ذلك ، وفي هذا المكان دون غيره .
3) حل مشكلة Problem Solving ، من المفيد تحديد المشاكل الاجتماعية و تحليل اسباب توزيعها المكاني و تقييم ذلك قصد التخطيط لمعالجتها موقعيا . فقد يبحث الجغرافي في مشكلة تركز العاطلين عن العمل او المنازل الايلة الى السقوط slums او ارتفاع الكثافة السكنية فوق المسموح به ، او ارتفاع نسبة حالات الاجرام في مناطق معينة . تصب هذه الدراسات في صلب سياسة الدولة لتكون الاساس العلمي لوضع برامج علاجية وسياسات وقائية لها .
4) الحيز (الفضاء) Space تهتم الجغرافيا الاجتماعية بدراسة الحيز وتنظيمه المكاني و تفاعل الناس فيه ومعه . فالجغرافي يروم معرفة معاني الحيز عند مختلف المجاميع الاجتماعية و الكيفية التي تؤثر فيها هذه المعاني (استيعاب المكان) على نشاطات المجاميع في بيئاتها . بعبارة ادق ، كيف تستوعب المجموعة وتدرك البيئة المحيطة بها وكيف تتفاعل معها ، واثر هذا على سلوكياتها و نمط حركتها المكانية . وقد يعبر عن هذا الاستيعاب ب"المنظور الانساني للمكان والقيمة الذاتية التي يعطيها الفرد والمجموعة للمكان" (Jones & Eyles 1979) . في الواقع ان كل "مجال" او " شيء" في المجال مرتبط بالاشياء الاخرى فيه . فدراسة المشاكل الاجتماعية تتطلب معرفة التركيب الاجتماعي – المكاني والانماط التي يكونها هذا التركيب ، وتحليل الاسباب و العمليات المشكلة له والناجمة عنه في الوقت ذاته ، وتقييم الافراد والمجاميع ونظرتهم للبيئات التي يعيشون فيها و ينشطون . ان الفصل بين الانماط و المعالجات وادراك الحيز امر مجازي تطلبته الدراسة المعمقة والتحليل فقط .
يعتقد لابلاش ان شخصية الاقليم ناجمة عن الطريقة التي يستثمر بها المجتمع الموارد المتوافرة فيه وكيفية استجابته للبيئة وتنظيمه لنفسه فيها . انها نتيجة حضارة المجتمع نفسه ، وقد تأثر بهذا الرأي Fleure وقال بان الجغرافيا والتاريخ والانثرويولوجيا تشكل مع بعضها علما متداخلا ، ولهذا من الضروري دراسة الانسان في مجتمعه . وقد أيد هذا الرأي العديد من المفكرين والباحثين . وقد دعى بعضهم الى دراسة " جغرافية حضارة الانسان المحلية" (الثقافات الفرعية) التي عرفها (Sauer 1962) بانها تحويل الظهير الارضي الطبيعي الى ظهير حضاري (فريمان ، بدون تاريخ) . ومن الضروري التنويه بان جغرافية الحضارة تهتم باعمال الانسان وليس الانسان بحد ذاته ، وهذا هو الفرق بينها والجغرافيا الاجتماعية .
يركز الجغرافيون على دراسة المدينة وقاطنيها مع اهتمام متزايد بمعرفة وتحليل العلاقة بين الانسان والبيئة . والمدينة ظاهرة بشرية وبيئة صنعها الانسان بنفسه ، لهذا تتطلب دراسة اية مجموعة بشرية في المدينة النظر الى البيئة المحلية التي تحتوي هذه المجموعة . وقد ساعدت افكار مدرسة شيكاغو البيئية في ظهور نموذج برجس ذي الدوائر المتراكزه . وصبغت الافكار الحتمية لهذه المدرسة فعدت النطاقات حتمية نتيجة قوى اقتصادية تتنافس علىمواقع في المركز . وقد ظهرت ردود افعال عديدة ضد هذا المنحى في التفكير و في تفسير الظواهر البشرية . فعلى سبيل المثال لا الحصر ، ارجع فيري خصائص بعض مناطق المدينة الى القيم الاجتماعية التي وضعها الناس لها او عليها وليس بسبب القوى الاقتصادية . وقد ساعد المنحى الجديد على التاكيد على المعاني الحضارية للحيز الجغرافي . وهذا اكدته الدراسات الحديثة المعنية بادراك البيئة والصورة الذهنية التي يمتلكها الافراد عن المحلة السكنية و المدينة . ولا يمكن القول بان تصرف وسلوك الفرد ناتج عن تصوره الشخصي وادراكه الذاتي للحيز وحده ، اذ ان هناك مقيدات و محددات لهذا مثل الدخل الشخصي و العرق (الجنس) واللون . وهناك تباين في الحرية الشخصية بين المجاميع الاجتماعية ضمن المجتمع الواحد . دفعت هذه النظرة الجغرافيين الى التعامل مع المناطق السكنية الخاصة بالفقراء وتلك المتدنية العمران ، ومناطق تركز الفقراء و المحرومين كعناصر مكانية لها دورها في تشكيل نظام الحياة الاجتماعية في المدينة . وقد توجه اهتمام الجغرافيون تدريجيا نحو دراسة نشاطات المجاميع الاجتماعية وبحثوا عن المعالجات التي تشكل انماطها . لقد اصبح كل عنصر من عناصر الخبرة الاجتماعية ذي مضامين مكانية ، ولهذا نتج عنه انماطا تتطلب التقصي والدراسة .
الجغرافيا وعلم الاجتماع
يعود التداخل الكبير بين الجغرافيا الاجتماعية و فروع علم الاجتماع لدراستهما المسائل ذاتها واعتمادهما مفردات مشتركة . ومع هذا تبقى الحدود الفاصلة بين العلمين واضحة . فعلم الاجتماع يدرس المعالجات (العمليات) الاجتماعية في الاقليم ، والتركيز على المعالجات الاجتماعية التي ترتبط بحياة الناس الاجتماعية وليس تحديد شخصية الاقليم . وعلماء الاجتماع يركزون على التفاعل والتكوين الاجتماعي باعتباره اساس لتحديد منطقة الدراسة . وهدفهم فهم المجتمع وليس البصمات التي يتركها المجتمع على المكان .
الفرق بين الجغرافيا الاجتماعية وعلم البيئة الاجتماعية راجع الى ان الجغرافيا تهتم بتاثير البيئة على الانسان كوسيلة لفهم التباينات المكانية المحلية والاقليمية . فالجغرافي يتعامل مع قطبي المغناطيس : الانسان والارض والتفاعل الدينامي بينهما . بينما يتعامل علماء الاجتماع مع التكوين الاجتماعي دون الاهتمام بطرف المعادلة الثاني . بعبارة اخرى ، تركز الجغرافيا على التفاعل المكاني بينما يهتم علم الاجتماع بالتفاعل في الحياة (في المجتمع) . بتركيز الجغرافيا على دراسة الاقاليم بدلا عن المجتمعات بحد ذاتها انما يسلط الضوء على العوامل الاجتماعية ضمن مجموعة العوامل الاخرى الاكبر التي يتاثر بها مجتمع الدراسة ، والتي تعطي الاقليم شخصيته وسماته المميزة . والجغرافيا الاجتماعية لها هدف اكبر من توزيع الانظمة الاجتماعية على الخرائط ، انها تحلل الكيفية التي تختلف فيها الانظمة الاجتماعية عن بعضها في مختلف ارجاء المعمورة ، وعلاقة ذلك بعدد كبير من العوامل الاخرى .
* عن كتاب : جغرافية المشكلات الاجتماعية ، أ.د. مضر خليل العمر و د. محمد احمد عقلة المومني ، دار الكندي للنشر والتوزيع ، اربد ، 2000 (من ص 13 – 21)
_____________________
المصدر :
http://www.4geography.com/vb/showthread.php?t=329
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
رجاء كتابة تعليقك