الجيومورفولوجية geomorphology فرع من فروع الجغرافية الحديثة، يهتم بدراسة سطح الأرض وصفاً
وتحليلاً وتفسيراً، وكلمة جيومورفولوجية تعبير مشتق من عدة كلمات يونانية قديمة
وهي geo
ومعناها الأرض، وmorphe ومعناها الشكل، logos ومعناها علم أو دراسة.
وقد تباينت التسميات العربية التي اقترحها الجيومورفولوجيون
العرب لهذا العلم، فمنهم من ترجمه بـ«علم أشكال الأرض» (توني 1964)، أو «علم دراسة
سطح الأرض» (أبو العينين 1966)، أو«علم التضاريس» (الحكيم 1968)، أو«أشكال الأرض» (عبد السلام
1980).
اتسع مجال هذا العلم في الآونة الأخيرة اتساعاً
كبيراً ليشمل الموضوعات الثلاثة الآتية:
1- دراسة أشكال سطح الأرض
ومظاهرها العامة morphography: وتهتم بدراسة أشكال السفوح والانحدارات بأشكالها المختلفة
وعلاقتها بالتركيب الصخري والتطبق من جهة، وأثر عوامل الحت الخارجية من جهة أخرى.
2- تحديد الظاهرات الجيومورفولوجية
morphogenetic:
وتهتم بدراسة وتحليل السمات الجيومورفولوجية لظاهرات سطح الأرض، مراحل تكونها
وتوزعها وعلاقتها بالأوضاع المناخية والحركات التكتونية.
3- دراسة العمر النسبي
للظاهرات الجيومورفولوجية: تهتم بدراسة الزمن الجيولوجي الذي تكونت فيه الظاهرة الجيومورفولوجية،
والمراحل التي أدت إلى تطوير مظاهر سطح الأرض وإبرازها بشكلها الحالي.
وهكذا فالدراسة الجيومورفولوجية تمثل حلقة الربط
بين كل من الجيولوجية الطبيعية physical geology والجغرافية الطبيعية Physical Geography، ذلك لأن الظاهرات الجيومورفولوجية لسطح الأرض تتغير باستمرار
بمرور الزمن، وتتطور في أوضاع مناخية مختلفة، قد تؤدي إلى خلق ظاهرات جديدة لم تكن
موجودة من قبل، أو إعادة تشكيل ظاهرات قديمة وتعديل مظهرها العام.
فروع الجيومورفولوجية
على الرغم من حداثة الجيومورفولوجية إلا أنه
يُلاحظ أنها انقسمت في الوقت الحاضر إلى عدة فروع، يختص كل منها بدراسة الظاهرات الجيومورفولوجية
من وجهة نظر معينة، وأهم هذه الفروع العلمية الحديثة:
1- الجيومورفولوجية
البنيوية: تهتم بدراسة أثر البنية structure والبناء tectonic في نشوء تضاريس سطح الأرض وتطورها، كما يهتم هذا الفرع بإظهار أثر
طبيعة الصخور وطبقيتها stratigraphy.
2- الجيومورفولوجية المناخية
climatic geomorphology: وقد ظهر هذا الفرع بفضل المدرسة الجيومورفولوجية الفرنسية
الحديثة التي اهتمت بدراسة العلاقة بين المناخ السائد وما ينتج منه من عوامل حت
وتعرية. وبناءً على ذلك، فقد استنتج العلماء بأنه مشاهدة ظواهر جيومورفولوجية
مميزة لكل إقليم مناخي، وهكذا أمكن دراسة جيومورفولوجية المناطق القطبية الجليدية glacial geomorphology،
وجيومورفولوجية المناطق شبه الجليدية periglacial geomorphology، وجيومورفولوجية المناطق الصحراوية الحارة، وغيرها.
3- الجيومورفولوجية
الرياضية statistical geomorphology: هو الفرع الذي يستفيد من الطرائق العلمية الحديثة وخاصة المنهج
الكمي quantitative method، الذي يعتمد على استخدام الطرائق الرياضية الحديثة في مختلف
الدراسات الجيومورفولوجية.
4- الجيومورفولوجية
التطبيقية applied geomorphology: وهو الفرع الذي يستخدمه العلماء اليوم بهدف الاستفادة من
المعلومات الجيومورفولوجية، ونتاج الدراسات الجيومورفولوجية الحديثة في المجالات
كافة، مثل علم التربة وعلم المياه، وعلوم التعدين، والهندسة المدنية، والتخطيط
الإقليمي.
علاقة الجيومورفولوجية بالعلوم الأخرى
ترتبط علوم الأرض وتتداخل بعضها مع بعض، كما
تستفيد الجيومورفولوجية، شأنها بذلك شأن بقية علوم الأرض، من منجزات العلوم
الأخرى. وأهم العلوم المساعدة للجيومورفولوجية هي علوم الجيولوجية والمناخ والمياه
والترب إلى جانب علوم الفيزياء والكيمياء والنبات والرياضيات والتصوير الجوي
والاستشعار عن بعد والخرائط.
وتعتمد الجيومورفولوجية في تفسيرها لنشوء وتطور
أشكال تضاريس سطح الأرض وتطورها على علم التكتونيك (البناء) الذي يفسر ظهور
التضاريس بأشكالها الأولية البنيوية وأصولها وأسباب نشوئها: التوائية أو انهدامية
(صدعية) أو بركانية.
تطور علم الجيومورفولوجية
على الرغم من حداثة علم الجيومورفولوجية الذي
وضعت قواعده وأسسه في مطلع القرن الفائت، إلا أن الإنسان فكر منذ ظهوره على سطح
الأرض في أشكال البيئة الطبيعية ومظاهرها المحيطة به، وحاول رسم ما يشاهده في
البيئة حوله على سطح الأرض من أنهار وجبال وهضاب، ووضع كل ذلك في خرائط تصويرية
يرجع أقدمها إلى أكثر من 4500 سنة ق.م، وما كاد الإنسان يعرف الكتابة حتى بدأ يسجل
خواطره ومشاهداته عن الظواهر التضريسية الكبرى التي يشاهدها في البيئة المحيطة به.
الجيومورفولوجية عند الإغريق: تمثل أقدم
الدراسات الخاصة بأشكال الأرض وتكوين الكرة الأرضية، فقد ربط «هيرودت» بين تكوين
دلتا نهر النيل وبين فيضانه السنوي، كما كتب «أرسطو» عن نشأة عدد من الظواهر التضريسية
والينابيع وعمليات الترسيب، وجاء «أسترابو» من بعدهم لكي يتعرض لدراسة المرتفعات
الأرضية والزلازل والبراكين والدلتاوات النهرية. وقد اضمحل الفكر الجيومورفولوجي
في المدة الزمنية الممتدة من نهاية عصر الإغريق حتى العصور الوسطى، إلى أن جاء بعض
الكتاب والرحالة العرب الذين أسهموا في المعرفة الجيومورفولوجية مساهمة تستحق
التسجيل.
الجيومورفولوجية في الحضارة العربية: يرجع الفضل
لعدد من الرحالة العرب في المحافظة على نتاج الدراسات الإغريقية القديمة وإثرائها
بالكثير من الأفكار. ويعد ابن سينا من أهم العلماء العرب الذين أسهموا في إغناء
المعارف الجغرافية والجيومورفولوجية، فقد قام بتصنيف السلاسل الجبلية، كما أشار
أوَّل مرة إلى أثر العلاقة بين التكوينات الصخرية وعوامل التعرية (الحت التفاوتي)،
كما اهتم ابن خلدون بدراسة الشكل العام للأرض وكيفية تكوينها والعلاقة بين الأغلفة
الثلاثة المائية والصخرية والغازية.
الجيومورفولوجية في العصر الحديث: اعتمدت
الدراسات الجيومورفولوجية مدة طويلة، استمرت حتى نهاية القرن التاسع عشر، على
الأفكار والآراء النظرية والافتراضية، مثل أفكار ليوناردو دافنشي والعالم الفرنسي جيتار
Guethard
والعالم السويسري دوسوسير De saussur، إلا أن الجيومورفولوجية الحديثة نشأت وتطورت على يد عدد كبير من
الرواد الأوائل في أوربة وأمريكة الشمالية مثل ج.هاتون (1726-1797) الذي
كان أول من وضع أسس العمل النهري، ورامسي
(1860) الذي رسم طريق دراسة الجليديات،
وقال بفكرة التسوية البحرية لأطراف القارات نتيجة حت الأمواج لقارة مستقرة أو
هابطة ببطء، ثم نهضت فيما بعد فوق سطح البحر، وقد أيده في فكرته ريختهوفن (1882)
في دراسته عن الصين.
أما الطفرة الحقيقية لعلم الجيومورفولوجية فقد
حدثت في أواخر القرن التاسع عشر والثلث الأول من القرن العشرين. وتعد المدة من
العام 1875 إلى عام 1900، العصر الذهبي للدراسة الجيومورفولوجية في الولايات
المتحدة الأمريكية، ويعد العالم الأمريكي وليم موريس ديفيس (1850-1934) W.M.Davis مؤسّس
علم الجيومورفولوجية بلا منازع، لما أضافه من معلومات وحقائق كانت، ولا تزال، تمثل
الأساس الذي بُنيت عليه دعائم الدراسة الجيومورفولوجية، وعُرفت مدرسته بالمدرسة الجيومورفولوجية
الديفيسية، واعتمدت نظريته على أن ظواهر سطح الأرض تختلف من منطقة إلى أخرى تبعاً
للبنية والتركيب الجيولوجي من جهة، وللعمليات المشكلة للتضاريس processes وللمراحل الزمنية stages من جهة أخرى. كما
اعتمدت أيضاً على مبدأ الدورة الجيومورفولوجية الحتية geomorphologie
sycle of erosion التي قسم ديفيس
على أساسها مراحل تكوين ظواهر سطح الأرض إلى ثلاث مراحل: مرحلة الطفولة، مرحلة
الشباب، مرحلة النضج أو الشيخوخة.
وعلى الرغم من أن الدراسات التي قام بها ديفيس
هي الأساس لعلم الجيومورفولوجية ودعامته الأساسية، إلا أنها لم تسلم من النقد،
وخاصة من قبل عدد من أعلام الجيومورفولوجية الفرنسية والأوربية عامة مثل تريكار Tricart وشولي Choley وكوربل Corbel، الذين أخذوا على ديفيس
اعتماده على خلفيته الجيولوجية عند دراسته لظواهر سطح الأرض، كما وجهوا نقداً
شديداً لمفهوم «الدورة الحتية» وتقطعها الذي قد يحدث، لا بسبب الحركات التكتونية
فحسب، بل بسبب التغيرات المناخية، وبالتالي بسبب تباين في النظام الهيدرولوجي
للشبكة المائية. كما اعترض تريكار على آراء ديفيس ونظرياته في تفسير الدورة الحتية
بسبب إغفالها وجود الغطاء النباتي الذي يؤدي دوراً كبيراً في عمليات الحت
والتعرية، كما أن تريكار يرى أنه كان يجب على المدرسة الديفسية أن تهتم بدراسة
العوامل المناخية ومدى تذبذب المناخ من مدة إلى أخرى paleochimatic
osceillation، وأثر ذلك في تشكيل ظواهر
سطح الأرض التضريسية التي تعد في حقيقتها ظواهر مورفومناخية شديدة التعقيد.
والجدير بالذكر أن الجيومورفولوجية الديفيسية
بدأت حالياً تنسحب تدريجياً من ميدان الدراسة الجيومورفولوجية المعاصرة وتفسح في
المجال لظهور فرعين جديدين هما: الجيومورفولوجية المناخية climatic
geomorphology، الجيومورفولوجية
الكمية quantitative geomorphology.
مداخل البحث الحديثة في علم الجيومورفولوجية
يمكن أن تُقسم هذه المداخل إلى:
1- المدخل الإقليمي regional approach:
الذي يعتمد على الفكرة القائلة إنَّ الظواهر الجيومورفولوجية ليست جميعها من نتاج
عامل اختلاف التركيب الجيولوجي والبنية بل إن معظمها من نتاج فعل عوامل التعرية
السائدة مدة طويلة من الزمن والتي يختلف مدى تأثيرها بحسب اختلاف الأحوال المناخية
وتذبذبها في منطقة ما، ومن ثم فقد استطاع هؤلاء العلماء تصنيف سطح الأرض إلى
أقاليم مورفومناخية morphoclimatic regions. وأهم المشكلات والصعوبات التي تعترض المنهج الإقليمي في الدراسة الجيومورفولوجية
هي: مشكلة التقسيم التي تقود إلى التعميم أحياناً، مشكلة المناطق الهامشية، مقياس
رسم الخرائط الممثلة للظاهرات الجيومورفولوجية.
2- المدخل الكمي quantitative approach:
وهذا المنهج يعتمد على الدراسة الرياضية التحليلية التي تؤدي إلى الحصول على نتائج
كمية علمية محددة، بدلاً من أن تكون وصفية عامة qualitative.
وأهم العناصر التضريسية لسطح الأرض التي يوليها
أصحاب هذا المنهج اهتمامهم هي: درجة تضرس سطح الأرض في إقليم ما، ودرجة التضرس
المحلي في أي منطقة صغيرة، معدل ارتفاع المنطقة، ومعدل انحدار سطح المنطقة بالنسبة
إلى المستوى الأفقي. وأهم الموضوعات التي يتناولها المنهج الرياضي عند الدراسة الجيومورفولوجية
هي دراسة القيم المتغيرة لعناصر عوامل التعرية في الوقت الحاضر، إضافة إلى دراسة
عناصر ظواهر سطح الأرض الحالية ومحاولة إيجاد علاقة مورفومترية فيما بينها.
وسائل البحث الحديثة في دراسة الجيومورفولوجية
أهم وسائل البحث الحديثة في دراسة الجيومورفولوجية
هي:
1- الأبحاث الميدانية
الحقلية التي تشمل فحص أنواع الصخور والبنية وتوزع الانحدارات وتصنيف الظاهرات الجيومورفولوجية،
إضافة إلى بعض الأعمال المساحية والقياسات المورفومترية.
2- الأعمال المخبرية
والتحاليل الكيمياوية وتشمل: نسبة الأكاسيد، حجم الحبيبات، تحديد رطوبة التربة على
أعماقها المختلفة.
3- الاعتماد على الخرائط
والرسوم والمقاطع واستخلاص المعلومات منها.
4- تفسير الصور الجوية
بوساطة الفحص الاستريوسكوبي للصور الجوية العادية، إضافة إلى الاعتماد على صور
الاستشعار عن بعد remote sensing التي تعتمد على التصوير الحراري بأشعة ما تحت الحمراء.
محمد
إسماعيل الشيخ
نقلا عن الموسوعة العربية
http://www.arab-ency.com/index.php?module=pnEncyclopedia&func=display_term&id=9955&m=1
مراجع للاستزادة: |
ـ
حسن سيد أبو العينين، أصول الجيومورفولوجية (دار المعارف، الإسكندرية 1968).
ـ
محمد إسماعيل الشيخ، الاتجاه التطبيقي في المدرسة الجغرافية الفرنسية المعاصرة
(منشورات وحدة البحث والترجمة، جامعة الكويت 1984).
- Tricart Jean, Introduction á la géomorphologie climatique
(Paris , 1972).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
رجاء كتابة تعليقك