سد النهضة الإثيوبي .. وتأثيره على الأمن القومي المصري
سد النهضة
بقلم: د. أحمد كمال* - 2013-04-21 13:34:08
تبني الأمم نهضتها
ومستقبلها بدوافع تنبع من واقعها الحالي أو ما مرت به في الماضي، من أجل هذا تضع
الخطوط العريضة لرسم خارطة المستقبل لأوطانها، وهذه الخارطة تعتمد على حصر موارد
الدولة، سواءٌ للحفاظ عليها أو تنميتها، ولكن قد تتقاسم بعض الدول نفس المورد خاصة
الموارد الطبيعية وأهمها المياه العابرة عبر الأنهار الدولية.
ويدفعنا هذا الحديث عن نهر النيل أحد أهم
الموارد المائية لدول شرق ووسط إفريقيا فيما يسمى بدول حوض النيل، ويلعب عدد من
الدول دورا رئيسيا في السياسة المائية للنهر hydro-Geopoltique ،
أهمها دول المنبع خاصة إثيوبيا ثم دول المصب؛ السودان ومصر، وتعتمد مصر كليًا على
حصتها من نهر النيل، لذا تضغط بعض الدول ذات المصالح المضادة على مصر للحصول على
تنازلات إقليمية من خلال تعميق فكرة أن مصر تستغل 85 % من مياه النيل البالغ قدرها
55.5 مليار م3 سنوياً ولا تساهم بقطرة ماء واحدة من ميزانية النهر.
وفي أبريل 2011 حينما كانت مصر تمر بتغيرات
سياسية دراماتيكية، تحركت إثيوبيا سراً لكشف النقاب عن مشروع سد النهضة لتبدأ تنفيذه،
ويتوقع الانتهاء منه عام 2015، وهو يعد أخطر العقبات المحدقة بالأمن القومي لمصر لتحجيم
مائية النهر.
ومن خلال الدراسة
في مجال الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات الجغرافية، تم تحديد موقع سد النهضة في إثيوبيا
وارتفاعه وتوقع شكل بحيرة التخزين المقترحة، ودراسة تأثيره خاصة على مصر، وتم
إعداد هذه الدراسة كما هو موضح في الشكل التالي:
الخريطة من
إعداد الباحث وتوضح الشكل المقترح للبحيرة والسعة التخزينية لها ومساحتها، بواسطة
تحليل بيانات الصور الفضائية باستخدام تقنيتي الاستشعار عن بعد ونظم المعلومات
الجغرافية "Gis".
لذا يعبر الشكل السابق عن أبعاد جيواستراتيجية
كبيرة وفي جوانب متعدده أهمها:
- من الناحية
الطبيعية، يبنى السد في منطقة بني شنقول على بعد 30 كم شرق الحدود السودانية وقد
تم اختياره لاعتبارات جغرافية وجيولوجية واقتصادية، وهذا المكان على النيل الأزرق
هو الأكثر توافرا وتدفقا للمياه حيث يسهم بنحو 80 % من حجم المياه القادمة لمصر، ومن
المتوقع أن يحجز خلفه 74.4 مليار متر مكعب من المياه، وهو ما يعد تقريبا ضعف بحيرة
تانا, ونحو نصف السعة التخزينية لبحيرة السد العالي في مصر، مما يعني نقل المخزون
المائي من أمام بحيرة ناصر إلى الهضبة الإثيوبية وتحكم إثيوبيا في كل قطرة مياه
تأتي إلى مصر، مما سيؤثر على الاحتياجات المائية لمصر خلال فترة ما بعد إنشاء هذا
السد وانخفاض السعة التخزينية لبحيرة ناصر. ويوجد عدد من الآثار السلبية منها ماهو على مصر
حيث بعد ملء خزان سد النهضة لن تصل مياه النيل إلى مصر
عامًا كاملاً، مع احتمالية تحويل بحيرة ناصر إلى بركة خلال سنوات من بدء تشغيل
هذا السد، كما أن له تأثيرا سلبيًا على السودان الذي
سوف يُحرم من الطمي مثلما هو الحال في مصر الآن وتدهور التربة فيه، كما أن موقع
السد الحالي بالقرب من الأخدود الإفريقي العظيم النشط تكتونيا، ومع ملء بحيرة السد
المقترحة التى تم تقدير مساحتها بنحو 2375 كم2 سوف يحدث ذلك ضغطاً هائلا على قاع
البحيرة، مما ينذر بحدوث نشاط زلزالي في محيط البحيرة ووقوع كارثة انهيار السد، ثم
انهيار سد الروصيرص جنوباً وفيضان بحيرته، وغرق جميع المناطق في مسار النهر خاصة في
دولة السودان.
-
من النواحي
البشرية، ستظهر النواحى الإيجابية لهذا السد في إثيوبيا فقط وهذا حق لدولة
تسعى
لتنمية وطنها ولكن ليس حق لها التأثير السلبي على دول المصب مائياً،
وسيساهم هذا
السد في رفع إنتاج الطاقة الكهرومائية في إثيوبيا إلى 10 آلاف ميجاوات خلال
السنوات الخمس المقبلة، وانخفاض توليد الطاقة الكهربية في مصر بمعدل يصل
إلى 2% في
محطات السد العالى وخزان أسوان وقناطر إسنا ونجع حمادي، واحتمالية ارتفاع
سعر
المياه في مصر، وتأثر حركة السياحة النيلية والفنادق العائمة في النهر
سلبياً حيث
بلغ متوسط إجمالي الإنفاق السياحي بها عام 2009 نحو 152.3 مليون دولار،
كذلك تدهور إنتاجية أهم المحاصيل في مصر مثل الأرز والقمح، وبصفة عامة فإن
الوضع الاقتصادي
سيتغير سلبياً تماماً.
فالخطر
هنا
يرتبط بمقدرات أمة، يسعى عدد من الدول لإضعافها والضغط عليها اقتصاديا
وسياسيا، داخليا وخارجيا، وتختلف الدوافع من دولة لأخرى وفقا لمصالحها،
فيجب أن لا ننتظر
ونرضخ لسياسة فرض الأمر الواقع حتى يتطور إلى الحتم الجغرافي، أي أن يقال:
هذه هى
الطبيعة وهذا هو الوضع الحالي ووفقوا ظروفكم على هذا الوضع، ليتم تهديد
أمننا
المائي مثلما الوضع الآن في الدول العربية؛ العراق وسوريا وتهديد تركيا
الدائم
لهما بقطع المياه عنهما، وكما فعلت إسرائيل بنهر الأردن، وكما فعلت أمريكا
مع
المكسيك وحولت مجرى النهر الحدودي بينهما لأنه ينبع من أمريكا، لذا يجب أن
لا ننتظر،
فهناك حلول سواء إذا أنشئ هذا السد أو لم ينشأ، فالجغرافية السياسية
للمنطقة وموازين
القوى ستتغير، والدولة القوية تكون قوية بمواردها وهيبة حدودها، فهل ستنسق
مصر
والسودان معا لحماية أمنهما المائي، أم تتخلى السودان عن مصر وترضى بحصتها
المائية
التى ستكفيها؟ أم ستضغط إسرائيل سياسيا هى الأخرى لكى تمتد ترعة السلام
إليها عبر
سيناء مقابل وقف دعمها لإثيوبيا؟
مقترحات للخروج من الأزمة
- إنشاء وزارة
مختصة بشئون نهر النيل، تهتم به طبيعياً واقتصادياً وسياسياً، ودمج المراكز
والمعاهد البحثية المختصة بشئون نهر النيل في هذا الكيان.
- تحسين علاقة
مصر الاستراتيجية بدول القرن الإفريقى المحيطة بإثيوبيا خاصة العربية منها؛
الصومال وجيبوتى وإطلاعها على مخطط إثيوبيا للإضرار بمصر، لإحداث توازن ضد النفوذ
الغربي والإسرائيلي في إثيوبيا، ومساندة القضية الصومالية لتحرير أوجادين من إثيوبيا،
وهي منطقة تمثل نصف إثيوبيا ويعيش فيها صوماليون "عرب مسلمون سُنَّة"،
ولهم مطلب قديم بالانضمام إلى الصومال الأم والتحرر من الاحتلال الإثيوبى، لذا يجب
أن يكون لمصر موضع متقدم هناك بالقرب من منابع النهر لمراقبة الوضع المائى هناك.
- أن تكون
مصر وسيطا بين دولة السودان وجنوب السودان للتصالح بينهما، من أجل استقرار الوضع
الأمني هناك لتيسير إقامة مشروعات أعالي النيل وجونجلى بجنوب السودان.
- التوجه نحو
تنمية المنابع الاستوائية لنهر النيل، فإذا كان سد النهضة متوقَّعًا أن يحرم مصر
من 10- 15 مليار متر مكعب من المياه، فإذا تم تنفيذ مشروعات أعالي النيل الاستوائية
سوف يزيد الإيراد المائي عند أسوان 12 مليار متر3، فتنمية مصر تأتي من
تنمية الموارد المائية في منابع النهر وليس بإعادة استخدامها في مصر.
- بدء حوار
جاد مع إثيوبيا بشأن الآثار السلبية على الأمن القومي المصري والإقليمي بعد إنشاء هذا
السد، وسرعة التحرك مع المجتمع الدولي واللجوء للتحكيم الدولي، وأن نكون الفعل
وليس رد الفعل، من أجل ضمان حصة مصر من ماء النهر بعد إنشاء سد النهضة.
...................
·خبير نظم المعلومات الجغرافية والاستشعار عن بعد، بالهيئة العامة
للتخطيط العمرانى، والمركز القومى لبحوث المياه .
المصدر :-
http://www.alamatonline.net/l3.php?id=57626